هل تعلم كم نجهل تأثير الدماغ اللاواعي على حياتنا اليومية وتأثير ذلك على عاداتنا وسلوكنا؟ لكن ماذا عن تأثير التأمل على سلوكنا والعقل اللاواعي؟

كلما تقدمنا بالعلم يتضح أمامنا هذا البحر اللانهائي من المعرفة والوعي الذي يملأ الفضاء من حولنا، وكم هو مليء هذا الكون بالأسرار باتجاهين مختلفين، فلا زلنا نجهل الكثير في الإتجاه الخارجي إلى ما بعد هذا الكوكب الصغير، كما لا زلنا نجهل أيضا حقيقة أجسادنا وأرواحنا، والعلاقة ما بينهما، وهنا يدخل التأمل كي يفتح أبواب الروح والجسد.

ما يدركه العلم اليوم عن الدماغ البشرية هو “بداية الخيط” الذي سيأخذنا إلى تفكيك الأسباب التي تؤثر حقيقة على صحتنا الجسدية والنفسية وسلوكنا اليومي. نحن نرغب وبشدة أن نتعرف على الأسباب التي تعيدنا إلى السلوكيات ذاتها بالرغم من اصرارنا ورغبتنا وعزيمتنا على التغيير.

العديد من المدربين العالميين في التطور الذاتي والتغيير يحاولون جاهدين، دون جدوى- في أغلب الأحيان- إلى إحداث التغيير المرغوب بالتوجيه العام والشخصي، ولكنهم يعلمون جيدًا أن الانسان يعود زاحفًا وبسهولة متناهية إلى “عاداته القديمة” التي يتمنى أن يغيرها بعكس إرادته، وغالبا ما يكون محبطًا من التجربة، وربما يفقد رويدًا رويدًا إيمانه بقدراته الحقيقية على التغيير المنشود.

فما الحل الذي يطرحه العلم اليوم؟

تأثير التأمل اليومي على الدماغ  

سنبدأ بالبحث معكم هنا في المعلومات الحديثة التي توصل إليها العلم عن الأسباب العلمية الحقيقية التي تؤثر على قدرتنا أو عدم قدرتنا على التغيير، وهي أيضا نظريات قد تكون صحيحة أو غير صحيحة، لكننا في توازن، لن نعتمد فقط على النظريات بل سنجلب لكم الأدوات المختلفة لتطبيق هذه النظريات باستخدام التأمل الموجه وتقنيات أخرى تجعلكم في بداية الأمر تفهمون سلوككم ثم فحص الطرق التي تساعدكم للتأثير عليه.

حسنًا، في البداية سنتعرف على ما هو العقل اللاوعي؟ وما العلاقة بينه وبين العقل الواعي والتأمل؟وماذا يقول العلم عن قدرة العقل اللاواعي بالتأثير على واقعنا؟

كيف لنا بالتواصل مع العقل اللاواعي مباشرة لإحداث التغيير الذي نسعى إليه؟ وهل نستطيع التأثير على سلوكنا اليومي بمساعدة التأمل؟

العلاقة بينه وبين العقل الواعي والتأمل

العقل اللاواعي هو واحد من مكونات النفس البشرية، وفقا لنظرية التحليل النفسي التي أسسها سيغموند فرويد. يعتقد فرويد أن العقل اللاواعي هو المنطلق الأساسي للإنسان، وهي أرض برية تحيى فينا وتسيطر على أفعالنا، دون الإدراك لذلك، وتأسست  للدفاع عن النفس، ويقول فرويد أيضا أن الهدف من العلاج النفسي هو “غزو” هذه الأرض الغير معروفة من اللاواعي، لنكون واعين لتصرفاتنا التلقائية في حياتنا.

باختصار فإن التعريف كما يأتي:

  • العقل الواعي: هو كل ما نعرفه الآن، في هذه اللحظة. ويعتبر جزء صغير من وعي الإنسان الكامل.
  • العقل اللاواعي: يشمل هذا “المصطلح” بما في ذلك المفاهيم التي لا نستطيع فهمها حتى الآن أو استيعابها أو رؤيتها في العقل الواعي بشكل مباشر، ولكن عن طريق سلوكياتنا التلقائية، والأحلام والخ.

العقل اللاواعي يشمل العواطف والمشاعر والرغبات، ويخبرنا التحليل النفسي أن الذكريات والتجارب التي تهدد كيان الإنسان والرغبات البيولوجية الفطرية المخزنة فينا مزروعة عميقا في اللاواعي، ولا تزال تؤثر على حياة الشخص اليومية دون أن يعلم الشخص مدى هذا التأثير على تصرفاته.

تدريبات التأمل اليومية تجعلنا واعين أكثر فأكثر إلى سلوكنا التلقائي النابع من تأثير العقل اللاواعي، وتجعلنا قادرين على التقليل من هيمنته على روتين يومنا.

قام عالم النفس كارل جونغ، أحد طلاب فرويد، بتمديد مفهوم اللاوعي إلى اللاوعي الجماعي، إلى الطبقة اللاشعورية التي يتقاسمها جميع البشر. يخبرنا جونج أن هنالك لاوعي جماعي وهو الهيكل الأكثر تأثيراً على الشخصية، فهو يشتمل على مجموعة كاملة من الخبرات المتراكمة عبر الأجيال من خلال وجود الجنس البشري، ويُبقى أثرًا للذاكرة في الدماغ البشري.

هذه الآثار للذاكرة من الماضي القديم موروثة، وهي متجذرة في الإنسان كميول متئهبة للتفاعل أو التصرف بطريقة معينة، اعتماداً على الثقافة والتراث الذي ولد فيه.

التأمل بشكل عام، بجميع أنواعه وأشكاله، وخاصة تأمل اليقظة الذهنية، هو أسلوب حياة أكثر من كونه تدريب عقلي رائع، يجعل الإنسان قادرًا على التحكم والوعي الكامل لكل ما يدور حوله. فيبدأ بمرافقة الطير من حولك والزهرة والنسيم حين يلاطف الوجنة، من تدريب لا يتعدى الخمس دقائق يوميا.

نرى أن البشرية تطمح اليوم كي تبني الأنماط الحياتية التي تجلب للهدوء والسكون، واستيعاب المتعة والسعادة بشكل تلقائي، اليوم، الآن، ها هنا. ولكنها وللأسف تعجز عن ذلك، اذ نعجز اليوم نحن البشر عن المتعة اللحظية، اذ يتجول الذهن الى أخطاء الماضي ومخاوف المستقبل متناسيا أننا هنا، اليوم تحت هذه السماء اللانهائية، في تجوال الفصول والنهار الليل، بين التجربة والأخرى، بين الفراق والحب ، الحزن والفرح.

فلماذا لا نتوقف، نتنفس من جديد  ونقرر أن نعيش اللحظة؟

دع التأمل اليومي يعيدك الى اللحظة. دعه يجعلك تقتحمها بذروة الشعور. ودعه يجعلك تتحكم بسلوكك اللاواعي أيضًا.