تسبح النفس في عالم آخر وكأنها قد حلقت في السماء وسافرت مع روحها إلى أرض فيها الهدوء والراحة، ذلك تمامًا ما يفعله التأمل بنا، فما هو تاريخ التأمل وما هو التأمل، وما علاقته بالأديان؟

مفهوم التأمل

يُعرف التأمل على أنّه وسيلة يتم من خلالها تغير الوعي وانفصال الجسد عن الروح وتحررها، من خلال الدخول في حالة من الصمت والهدوء والاسترخاء لمدّة زمنية، ووجد التأمل في الأصل لأغراض دينية للتفكر بالدين والحياة والمعتقدات، ولكنه ومع مرور الزمن أصبح مستقلًا عن أية معتقدات أو ديانات إذ بات من الطقوس المفيدة في التغلب على مشاكل الحياة وترويض النفس وتهذيبها، كما يعد التأمل من أساليب العلاج النفسي، الذي يعالج العديد من الأمراض النفسية المختلفة.  

تاريخ التأمل

تاريخ التأمل لا تكفيه سطور قليلة لسرده، إذ تعود ممارسة التأمل إلى عصور ما قبل التاريخ، وكانت عبارة عن طقوس هندوسية يتم فيها ترديد الأناشيد للآلة لكسب عطفها ورحمتها، ويرجع التاريخ الموثق جداريًا لمواضيع التأمل لعام 3500 إلى 5000 قبل الميلاد، وهي عبارة عن جدارية لمجموعة من الأشخاص الجالسين جوار بعضهم البعض بأعين نصف مغمضة وبهيئة الإنسان المتأمل وذلك في شبه القارة الهندية، بينما يعود أول دليل مكتوب للتأمل في الفيدا لحوالي 1500 قبل الميلاد.

بوذا من أسس فكرة طقس التأمل، إذ أنّ التأمل طقس بوذي آسيوي، أساسه التعلق بالرب والرقي الروحي، ثم وبعد فترة وجيزة بدأت طقوس التأمل بالانتشار في الصين مع الاحتفاظ بتعاليمها بدقة كما هي، إذ ظهر في القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد الطاوية كنوع من أنواع التأمل في الصين، وفي القرن السادس الميلادي أسس “زهي يي” المدرسة التقليدية الأولى للبوذية في الصين والتي تم توثيق ما يدرس بها من مناهج، فهي تحتوي على العديد من المقاطع المكتوبة عن الحكمة والتأمل.

 وقد تطور التأمل بشكل ملحوظ في التعاليم الهندوسية، حيث كان يتوارثه الأجيال جيلًا بعد جيل من خلال تعليمه في مجالس العلم المختلفة، حيث تتحدث جميع الكتب الهندوسية عن التأمل وأنه الوسيلة الأفضل للتخلص من الجهل وتنقية الذهن وصفاء المعرفة.

وأصبح التأمل يكتسب الإقبال من الشعوب عامًا بعد عام، حتى انتشر في الغرب بحلول عام 20 قبل الميلاد، عندما كتب فيلو الإسكندري كتابه الذي يحمل عنوان” التدريبات الروحية” والذي يُسلط الضوء على أساليب التأمل وقدرتها على تنمية التركيز والانتباه.

في عام 653 افتتح الراهب الياباني دوشو بزن أول مدرسة تأمل في اليابان، وقد وجدت إقبالًا كبيرًا، لا سيما عندما تمّ تطويرها على يد دوجين في عام 1227، ومع حلول القرن التاسع عشر  بدأ انتشار مدارس التأمل في الغرب والشرق، حيث وصل عددها في عام 1931 إلى ما يزيد عن ألف مدرسة للتأمل في اللغة الإنجليزية وبدأت جميعها تركز على تنمية الذات وتقليل التوتر والقلق والاسترخاء باستعمال أساليب التأمل المتنوعة.

الأديان والتأمل

التأمل لا يتعارض وأي ديانة من الديانات السماوية، إذ وجد صريحًا في التوراة ذكر ممارسة إسحق للتأمل كما في المسيحية تأمل سيدنا عيسى عليه السلام في الصحراء، أمّا في الإسلام فأصبح التأمل يأخذ منحى أسمى وأرقى إذ تطور فوصل للتصوف بنوعيه السني والشيعي، وخلاصة ذلك، فإنّ التأمل هدفه ساميًا يتمثل بالوصول إلى السلام الروحي والعقلي، وطمأنينة الذات، واستقرار النفس، إذ يُصفي الذهن ويمد الذات بالطاقة الإيجابية كالوقود الذي يُحفز الإنسان على القيام بالمهام والواجبات اليومية، بطريقة حكيمة وهادئة وسليمة وهذا بالطبع يأتي موائمًا وأهداف الديانات السماوية جميعها.