بدأت مشاعر القلق بالظهور على ملامح البشر كأول مرة عندما داسهم الماموث الصوفي، ولكن وبعد سنوات عديدة عُرف القلق على أنّه اضطراب عقلي يحتاج للمتابعة والعلاج، وفي مقالنا هذا سنتحدث عن تاريخ القلق وكيفية تطوره واكتشافه عبر العصور.
تاريخ القلق في الطب والفلسفة اليونانية والرومانية
طبيًا فإنّ القلق مفهوم عميق، يُعبر به الإنسان عن حمايته لذاته من الأذى المنتظر، وهو الهروب أو القتال للبقاء آمنًا مستقرًا هادئًا.
في عصر الحكم اليوناني ظهر مصطلح الهستيريا كما يعتقد الفلاسفة الذكور في ذلك الوقت والذي يُعبر عن حالة القلق والذعر والخوف الناتج من الاضطرابات في الرحم، نظرًا لما تمر به من الأنثى من حيض وانقطاع في الطمث وحمل وغيرها، مما يُسبب ذلك أعراضًا جانبية كضيق في التنفس، وتغير في الهرمونات والعديد من الأعراض الأخرى.
وخلال أوائل عصر النهضة تم إطلاق لقب الساحرات على النساء اللاتي يظهرن عليهن ملامح الهستيريا أو يعبرن عما يجول في خاطرهن من خوف أو قلق نفسي، وتم التعامل معهن بطريقة عنيفة ووحشية ، إذ تم تعذيبهن في إسبانيا، وإعدامهن في بريطانيا، وحرقهن في اسكتلندا.
لم يختلف مفهوم القلق في العصر الفيكتوري عن سابقه، بل ازدادت حدته وازداد ارتباطه بالمرأة، جراء حبس المرأة في المنزل لفترات طويلة مما أدى إلى ظهور أعراض القلق والتوتر الدائم عليها، والقيام بسلوكيات وأعمال غريبة تؤذيها، مما تسبب ذلك في ظهور نوبات من الهلع المستمر، التي قد يؤدي بها نهاية المطاف إلى إرجاعها لعائلتها أو نفيها إلى ملجأ المجانين، والذي يتم فيه العلاج آنذاك بالصدمات الكهربائية، ومع مرور السنين تم اختراع الهزاز وهو علاج منزلي للنساء المصابات بالقلق.
في عصر الحرب الأمريكية الأهلية انتُشل مصطلح القلق من المرأة ليُصبح عرضًا لا يُميز بين الذكر والأنثى، حيثُ كان يشعر الجنود في الحرب الأمريكية الأهلية بأعراض القلق كسرعة الخفقان وضيق التنفس، وهو ما يُعرف في وقتنا الحالي باسم اضطراب ما بعد الصدمة، وقد تم علاج الجنود بالأفيون ، والذي لم تكن آثاره السلبية واضحة بعد في ذلك الوقت.
وبعد ذلك العصر ولأول مرة أصبح القلق مفهومًا لا يُميز الجندرية، فبدأت رحلات من التفكير لإيجاد العلاجات المناسبة للتخلص من القلق، وجميعها آنذاك علاجات قصيرة الأمد تجعل الأمر أسوأ وأكثر تعقيدًا مما كانت عليه.
القلق في القرن العشرين
في أوائل القرن العشرين بدأ الروس في إدراك مفهوم القلق بشكل عميق، وسارعوا في إرسال الأطباء النفسيين لعلاج الجنود بعد الحرب الروسية مع اليابان في عام 1904 ، ويعتمد العلاج آنذاك على التخدير باستعمال الباربيتورات، وأصبح هو العلاج الشعبي على مر السنوات، كما كان يتم تعقيم الأشخاص الذين تظهر عليهم علامات القلق المتطورة.
في ثلاثينيات القرن العشرين، أخذ مفهوم علاج القلق منحى مختلف تمامًا، إذ ظهر مفهوم علاج القلق باستعمال تقنيات استرخاء العضلات المختلفة.
أمّا في أواخر القرن العشرين تم استخدام العلاج بالصدمات الكهربائية لمن يُعانون فقط من القلق الشديد، أولئك المرضى المعرضون لقتل أنفسهم، وأصبح علاج القلق باستعمال تقنيات الاسترخاء المختلفة علاجًا رائدًا لمعظم حالات القلق، وبعد خمسينيات القرن العشرين تم استعمال مضادات الاكتئاب كأدوية فعالة لعلاج القلق، وفي عام 1990 تم صُنع عقاقير خاصة لعلاج القلق، تعمل على تحفيز إفراز المواد الكيميائية المسؤولة عن السعادة مثل الدوبامين والسيروتونين.
القلق اليوم
سُجل تاريخ القلق في سجل من الماضي وبدأت اكتشافات العصر الحديث، حيث يبقى البحث مستمرًا حول علاقة القلق بالجينات، كما يُحاول العلماء دومًا في دراسة الممارسات الهندية القديمة للعضلات وعلاقتها بمعدل ضربات القلق، والتحكم في التنفس، للمزج ما بين تقنيات الماضي وتكنولوجيا الحاضر للسيطرة بشكل أكثر فعالية وأقل ضررًا على القلق.