هل تعرضتَ يومًا لموقفٍ صادمٍ سببَ لك أزمة نفسية؟ وهل الصدمة النفسية تسبب الجنون؟ لا شك أن الصدمات النفسية لها أثر سلبي كبير على الصحة العقلية والنفسية، خاصةً إذا كانت مقترنة بمراحل مبكرة من الطفولة، إذ يجب التعامل معها بوعي وحكمة بالغين من قبل أخصائي أو طبيب نفسي. 

هل الصدمة النفسية تسبب الجنون حقًا؟

عزيزي القارئ إن الصدمة النفسية لا تسبب الجنون بشكل مباشر، ولكن يمكن أن تؤدي إلى مشاكل واضطرابات نفسية قد تكون خطيرة على صحة الشخص تبعًا إلى أعراضها وأثرها؛ فتنتهي بطريقة أو بأخرى إلى حالة من الهلوسة والخروج عن الواقع وربما الجنون وفقدان العقل والتركيز تمامًا، لذا قد تشكل بعض الصدمات القوية عامل خطر للإصابة باضطرابات الفصام والذهان وغير ذلك من الأمراض العقلية المزمنة. 

تأثير الصدمة النفسية على الحالة النفسية

بعد التعرّف على التساؤل الأبرز في المقال “هل الصدمة النفسية تسبب الجنون؟”، يجب فهم كيفية تأثير الصدمة على الحالة النفسية وعمل الدماغ بصورةٍ عامة. 

تتشكّل الذكريات نتيجة ارتباط المواقف بمشاعر قوية معينة، مثلًا لو سألتك ماذا تناولت صباحًا قبل ثلاثة أيام؟ 

ستُجيب بأنك لا تذكر أو تتذكر بصعوبة بالغة لأنه لم تتكون مشاعر معينة فيها، ولكن لو طرحت نفس السؤال بصيغة مختلفة قليلًا؛ فمثلًا متى تناولت وجبة سمك كانت لذيذة وشهية؟ 

يمكن أن تكون هذه الوجبة قبل سنة ولكنك تتذكرها كما لو كانت الآن، وذلك ببساطة لأنها ترتبط بمشاعر غير اعتيادية شكّلت ذكرى سعيدة لديك، لذا يمكن القول بأن الصدمات النفسية تولّد مشاعر عنيفة جدًا في النفس، وقس على ذلك الصدمات التي تحدث في الحروب التي تُولد مشاعر القلق والخوف والحزن والغضب، التي تبقى محفورة في الذاكرة على هيئة محفزات صوتية وبصرية، إذ يتم استرجاع نفس المشاعر في حال حدوث موقف قريب من تفاصيل هذه الذكرى وهنا تكمن سيئة التعرّض للصدمات، فهي تجعل الشخص يعيش في ضغط عصبي مستمر في كل لحظة من لحظات حياته، مما يؤثر على سلوكه وتصرفاته وطريقة تفكيره، وترتيب الكلام لديه وكذلك طبيعة الاستجابة العاطفية. 

تأثير الصدمة النفسية على وظائف الدماغ

تترك الصدمة النفسية ندوبًا وآثارًا نفسية وجسدية تبقى لفترة طويلة، أو قد تستمر طوال الحياة إذا لم تُعالج منذ البداية، وتكمن خطورتها في اضطراب ما بعد الصدمة واضطراب التوتر الشديد وغير ذلك؛ لأن وظائف الدماغ تتأثر بشكل مباشر فيصبح هناك خلل في عمل ومهام بعض الأجزاء مثل اللوزة، والحصين؛ فمثلًا اضطراب ما بعد الصدمة (بالإنجليزية: PTSD) يحفّز مشاعر التوتر والقلق والخوف الذي يُفرز المزيد من مستوى الكورتيزول والنورأدرينالين في الجسم باستمرار، وهذا يسبب ضررًا شديدًا على عمل هذه الأجزاء من الدماغ بالإضافة إلى الأضرار والآثار الجسدية الأخرى. 

تتأثر اللوزة (الجزء المسؤول عن الشعور والعواطف) في الدماغ في اضطراب ما بعد الصدمة لتصبح شديدة النشاط، وبالتالي يبقى الشخص في إجهاد وضغط مزمن وخوف مستمر، لذا يصعب عليه الراحة أو النوم بسهولة، كما أن الحصين (وهو الجزء المسؤول عن تخزين واسترجاع الذكريات) يصبح حجمه أصغر في اضطراب ما بعد الصدمة، إذ تكون الذكريات المؤلمة المرتبطة في تفاصيل الصدمة حية في عقل الشخص، لذا يصعب عليه التمييز بين الصدمات السابقة والواقع الذي يعيشه، ويبقى الدماغ متهيئاً لاستجابة القتال والتهديد باستمرار.