لا يخفى على أي منا مدى تأثير العقل في الجوانب المختلفة من صحة الإنسان، ومن المعلوم أن التأمل يهدف إلى تعزيز الصحة العقلية، مما يجعله يستخدم في تحسين جودة الحياة لدى الأصحاء والمرضى على حد سواء، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ‘هل يمكن للتأمل تقصير وقت الشفاء بعد الجراحة؟’،
جدير بالذكر أن الأبحاث تشير إلى أن التأمل يصنع تأثيرا إيجابيا في جودة حياة المصابين بمشكلات صحية مختلفة، منها العضوية والنفسية، من ذلك الاكتئاب والقلق والآلام المزمنة وحتى السرطانات.
هل يمكن للتأمل تقصير وقت الشفاء بعد الجراحة؟
الإجابة المختصرة عن السؤال ‘هل يمكن للتأمل تقصير وقت الشفاء بعد الجراحة؟’ هي نعم، ويساعدنا في إدراك ذلك أن نعرف أن مرحلة الشفاء بعد الجراحة تضع الجسد تحت تأثير الضغط النفسي، وذلك يؤدي إلى تراجع جهاز المناعة وضعفه، مما يجعل الجسد في هذه المرحلة عرضة للإصابة بالعدوى.
ويكمن دور التأمل هنا في تعزيز جهاز المناعة، إذ إنه يعمل على وضع الموجات الدماغية في حالة مشابهة لما يحدث عند النوم، لكنها أكثر تقدما، إذ تكون تلك الموجات أبطأ وأقوى مما هو طبيعي، وذلك يوجه العقل نحو التركيز بوضع طاقته في إعادة بناء خلايا الجسد، فضلا عن منح الفرد حالة نفسية إيجابية.
ومن الجدير بالذكر أن الضغط النفسي الذي يحدث أثناء مرحلة الشفاء بعد الجراحة لا يفضي إلى الشعور بالألم وزيادة احتمال الإصابة بالعدوى فحسب، بل يؤدي أيضا إلى إطالة وقت الشفاء. وذلك يشابه رد الفعل الذي كان يصيب الإنسان في العصور القديمة عند مواجهة خطر محدق، من ذلك الوقوف وجها لوجه أمام حيوان مفترس، فذلك يثير لديه استجابة الكر والفر (Fight-or-flight response) التي تتصاحب مع زيادة إفراز سيتوكينات (Cytokines) وهرمونات تشمل الآتي بهدف تحفيز الجسد على الفرار من الخطر:
- كورتيزول (Cortisol)
- نورئبينفرين (Norepinephrine)
- إبينفرين (Epinephrine).
ففي هذه الحالة لن يكون الجسد مشغولا أو مهتما بالشفاء بقدر اهتمامه بالفرار. والدور الذي تؤديه ممارسة التأمل في ذلك الوقت هو إخراج الجسد من هذه الحالة بوضعه بحالة من الاسترخاء ليدرك أن مرحلة الشفاء لا تدعو إلى تحفيز استجابة الكر والفر، وهنا يصبح الجسد قادرا على التركيز في عملية الشفاء وبناء الخلايا الجديدة.
وتشير الأبحاث إلى أن تأثير التأمل، من ذلك التصور الذي يقع ضمن أساليب التأمل، من الممكن أن يضاف إلى أساليب الرعاية التي تجرى للمرضى بعد العمليات الجراحية لتحقيق نتائج أفضل وشفاء أسرع. وتوضح أبحاث أخرى أن ممارسة التأمل تعزز التئام الجروح بعد العمليات الجراحية وتقلل المدة التي يقضيها المريض في المستشفى بعد تلك العمليات، وذلك فضلا عن دورها في التخفيف من مستويات القلق الذي يصيب الفرد قبل الخضوع إلى العلاج الجراحي.